فصل: الحديث الثَّانِي عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الصَّدَقَة فِي أَرْبَعَة: فِي التَّمْر وَالزَّبِيب وَالْحِنْطَة وَالشعِير، وَلَيْسَ فِيمَا سواهَا صَدَقَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته من حَدِيث أبي بُرْدَة، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، ومعاذ بن جبل، رضى الله عَنْهُمَا، حِين بعثهما رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن، يعلمَانِ النَّاس أَمر دينهم: «لَا تَأْخُذُوا الصَّدَقَة إِلَّا من هَذِه الْأَرْبَعَة: الشّعير، وَالْحِنْطَة، وَالتَّمْر، وَالزَّبِيب».
قَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده صَحِيح. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: رُوَاته ثِقَات، وَهُوَ مُتَّصِل.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه، من هَذَا الْوَجْه من حَدِيث مُوسَى بن طَلْحَة، عَن عمر بن الْخطاب؛ قَالَ: «إِنَّمَا سنّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الزَّكَاة فِي هَذِه الْأَرْبَعَة: فِي الْحِنْطَة، وَالشعِير، وَالزَّبِيب، وَالتَّمْر».
وَمن حَدِيث الْعَرْزَمِي- وَهُوَ واه- عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، قَالَ: «سُئِلَ عبد الله بن عَمْرو عَن الْجَوْهَر والدر والفصوص والخرز، وَعَن نَبَات الأَرْض؛ البقل والقثاء وَالْخيَار، فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْحجر زَكَاة، وَلَيْسَ فِي الْبُقُول زَكَاة، إِنَّمَا سنّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه مُخْتَصرا؛ وَهَذَا لَفظه: عَن جده عبد الله بن عَمْرو قَالَ: «إِنَّمَا سنّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الزَّكَاة فِي هَذِه الْخَمْسَة: فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب والذرة».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُوسَى بن طَلْحَة؛ قَالَ: «عندنَا كتاب معَاذ بن جبل عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ أَنه إِنَّمَا أَخذ الصَّدَقَة من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب وَالتَّمْر».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه أَيْضا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث قد احْتج بِجَمِيعِ رُوَاته. قَالَ: ومُوسَى بن طَلْحَة تَابِعِيّ كَبِير لَا يُنكر لَهُ أَنه يدْرك أَيَّام معَاذ. وَاعْترض عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام؛ فَقَالَ بعد أَن نقل عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ فِيهِ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَزعم أَن مُوسَى بن طَلْحَة تَابِعِيّ كَبِير لَا يُنكر أَن يدْرك أَيَّام معَاذ: وَفِيمَا قَالَ نظر كَبِير؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ من حَدِيث مُوسَى أَنه قَالَ: «عندنَا كتاب معَاذ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه إِنَّمَا أَخذ الصَّدَقَة من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب وَالتَّمْر» وَهَذَا يشْعر أَنه كتاب، وَذكر أَبُو زرْعَة أَن مُوسَى عَن عمر مُرْسل؛ فَإِن كَانَ لم يدْرك عمر فَلم يدْرك معَاذًا. وَقَالَ فِي الإِمام: فِي قَول الْحَاكِم نظر- أَعنِي فِي الِاتِّصَال مَا بَين مُوسَى ومعاذ- وَقد ذكرُوا فِي وَفَاة مُوسَى أَنَّهَا كَانَت فِي سنة ثَلَاث وَمِائَة وَقيل: أَربع.
قلت: وَأما ابْن عبد الْبر فَقَالَ فِي استذكاره: لم يلق معَاذًا وَلَا أدْركهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بعد تَخْرِيجه: رَوَى هَذَا الحَدِيث عبد الله بن الْوَلِيد الْعَدنِي، عَن سُفْيَان، وَزَاد فِيهِ: قَالَ: «بعث الْحجَّاج بمُوسَى بن الْمُغيرَة عَلَى الْخضر والسواد، فَأَرَادَ أَن يَأْخُذ من الْخضر الرطاب والبقول، فَقَالَ مُوسَى بن طَلْحَة: عندنَا كتاب معَاذ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أمره أَن يَأْخُذ من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب. قَالَ: فَكتب إِلَى الْحجَّاج فِي ذَلِك، فَقَالَ: صدق» وَفِي رِوَايَة لَهُ: إِن مُوسَى بن طَلْحَة أعلم من مُوسَى بن الْمُغيرَة. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن مُجَاهِد؛
قَالَ: «لم تكن الصَّدَقَة فِي عهد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا فِي خَمْسَة أَشْيَاء: الْحِنْطَة، وَالشعِير، وَالتَّمْر، وَالزَّبِيب، والذرة». ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن الْحسن قَالَ: «لم يفْرض النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا فِي عشرَة أَشْيَاء: الْإِبِل، وَالْبَقر، وَالْغنم، وَالذَّهَب، وَالْفِضَّة، وَالْحِنْطَة، وَالشعِير، وَالتَّمْر، وَالزَّبِيب» قَالَ ابْن عُيَيْنَة: أرَاهُ قَالَ- «والذرة».
وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن الْحسن؛ قَالَ: «لم يَجْعَل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّدَقَة إِلَّا فِي عشرَة...» فَذَكرهنَّ، وَذكر فِيهِنَّ «السُلت» وَلم يذكر: «الذّرة». وَفِيه عَمْرو بن عبيد، رَأس الاعتزال، الْمَتْرُوك. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن الشّعبِيّ؛ قَالَ: «كتب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل الْيمن: إِنَّمَا الصَّدَقَة فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب». ثمَّ رَوَى أَيْضا حَدِيث معَاذ الْمَذْكُور فِي الحَدِيث الأول، ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا مَرَاسِيل، إِلَّا أَنَّهَا من طرق مُخْتَلفَة فيؤكّد بَعْضهَا بَعْضًا، وَمَعَهَا حَدِيث أبي مُوسَى، وَمَعَهَا قَول بعض الصَّحَابَة؛ كَقَوْل عمر: «لَيْسَ فِي الخضروات صَدَقَة»، وَقَول عَلّي: «لَيْسَ فِي الخضروات والبقول صَدَقَة» وَقَول عَائِشَة فِيمَا ذكرت أَن السّنة جرت بِهِ: «وَلَيْسَ فِيمَا أنبتت الأَرْض من الخضروات زَكَاة»، وَقَول عَطاء: «لَا صَدَقَة إِلَّا فِي نخل أَو عِنَب أَو حب، وَلَيْسَ فِي شَيْء من الْخضر بعد والْفَوَاكِه كلهَا صَدَقَة».

.الحديث الثَّالِث:

قَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا الْخَبَر- يَعْنِي الْمَذْكُور قبله- يَنْفِي الزَّكَاة فِي غير الْأَرْبَعَة، لَكِن ثَبت أَخذ الصَّدَقَة من الذّرة وَغَيرهَا بِأَمْر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أما أَخذ الذّرة فقد سلف فِي الحَدِيث قبله، من حَدِيث الْحسن وَمُجاهد، وهما مرسلان، وَمَعَ ذَلِك فَفِي إِسْنَاد حَدِيث الْحسن: عَمْرو بن عبيد، الْمَتْرُوك، كَمَا سلف. وَفِي إِسْنَاد حَدِيث مُجَاهِد: خصيف الْجَزرِي، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، وَسلف أَيْضا فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو وَهُوَ ضَعِيف كَمَا سلف فِي الحَدِيث قبله.
وَأما غير الذّرة، مَا عدا الْأَرْبَعَة، فقد سلف فِي الحَدِيث قبله أَيْضا: «السُلت»، وَهُوَ مُرْسل.
إِذا علمت ذَلِك فَفِي قَول الرَّافِعِيّ إِذن: ثَبت أَخذ الصَّدَقَة من الذّرة وَغَيرهَا بِأَمْر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. فِيهِ نظر.

.الحديث الرَّابِع:

عَن معَاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه لم يَأْخُذ زَكَاة الْعَسَل، وَقَالَ: لم يَأْمُرنِي فِيهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَيْء».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، من حَدِيث طَاوس عَن معَاذ أَنه أُتِي بوقص الْبَقر وَالْعَسَل، فَقَالَ معَاذ: كِلَاهُمَا لم يَأْمُرنِي فِيهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَيْء.
قلت: وَهَذَا مُرْسل؛ طَاوس لم يدْرك معَاذًا كَمَا سلف فِي الحَدِيث السَّادِس من بَاب زَكَاة النعم.

.الحديث الخَامِس:

ورد فِي الْخَبَر عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «فِي أَخذ الزَّكَاة من الْعَسَل».
هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد ورد فِي عدَّة أَخْبَار؛ أَحدهَا: خبر ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي الْعَسَل فِي كل عشرَة أزق زق».
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه، من حَدِيث عَمْرو بن أبي سَلمَة التنيسِي، عَن صَدَقَة بن عبد الله، عَن مُوسَى بن يسَار، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر بِهِ كَذَلِك. وَالْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «أزقاق» بدل «أزق». وَصدقَة هَذَا هُوَ السمين، وَهُوَ ضَعِيف، وَقد سلف حَاله فِي كتاب الطَّهَارَة فِي أثر عمر فِي المشمس.
وَعَمْرو هَذَا من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَإِن ضعفه ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم.
وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن يُوسُف، عَن عَمْرو بن أبي سَلمَة، عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن مُوسَى بن يسَار؛ قَالَ ابْن حبَان: إِسْمَاعِيل هَذَا يقلب الْأَسَانِيد، وَيسْرق الحَدِيث لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. قَالَ يَحْيَى بن معِين: وَعَمْرو بن أبي سَلمَة وَزُهَيْر ضعيفان. وعلَّل ابْن الْجَوْزِيّ هَذِه الطَّرِيقَة بِهَذَا، وَقَالَ فِي علله: إِنَّهَا لَا تصح لأجل ذَلِك. وَزُهَيْر هَذَا من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَفِيه لين.
قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه بعد أَن أخرجه: هَذَا حَدِيث فِي إِسْنَاده مقَال، وَلَا يَصح عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْبَاب كَبِير شَيْء، وَصدقَة لَيْسَ بحافظ، وَقد خُولِفَ فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن نَافِع. وَقَالَ فِي علله: سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ؟ فَقَالَ: هُوَ عَن نَافِع، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسل.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ هَكَذَا صَدَقَة، وَهُوَ ضَعِيف، قد ضعفه أَحْمد وَيَحْيَى وَغَيرهمَا.
ثَانِيهَا: خبر عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: «جَاءَ هِلَال- أحد بني مُتعَانَ- إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعشور نحلٍ لَهُ، قَالَ: وَسَأَلَهُ أَن يحمي وَاديا يُقَال لَهُ سَلبَهْ، فحمى لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك الْوَادي، فَلَمَّا تولى عمر بن الْخطاب كتب سُفْيَان بن وهب إِلَى عمر بن الْخطاب يسْأَله عَن ذَلِك، فَكتب عمر: إِن أَدَّى إِلَيْك مَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من عشور نحله فَاحم لَهُ سَلبَه، وَإِلَّا فَإِنَّمَا هُوَ ذُبَاب غيث يَأْكُلهُ من يَشَاء».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وسَلبه بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَاللَّام مَعًا، كَمَا قَيده الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه.
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «إِن شَبابَة- بطن من فهم-...» فَذكر نَحوه، وَقَالَ: «فِي كل عشر قرب قربَة» وَقَالَ سُفْيَان بن عبد الله الثَّقَفِيّ: «وَكَانَ يحمى لَهُم واديين» زَاد: «فأدوا إِلَيْهِ مَا كَانُوا يؤدون إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحمى لَهُم وَادِيهمْ».
وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عبد الله بن عَمْرو.
وَهَذِه التَّرْجَمَة، وَهِي عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده احْتج بهَا الْأَكْثَرُونَ، كَمَا أسلفناه فِي بَاب الْوضُوء، لَا جرم أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين لما ذكره فِي إلمامه قَالَ: إِن ابْن مَاجَه رَوَاهُ من حَدِيث نعيم بن حَمَّاد، وَهُوَ حَافظ أخرج لَهُ البُخَارِيّ- وَقد مُس- عَن ابْن الْمُبَارك- وَهُوَ إِمَام- عَن أُسَامَة بن زيد، وَأخرج لَهُ مُسلم، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده عبد الله بن عَمْرو «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ من الْعَسَل الْعشْر». قَالَ: وَمن يحْتَج بنسخة عَمْرو يحْتَج بِهِ.
قلت: لَا جرم حسنه ابْن عبد الْبر فِي استذكاره، وَفِي علل الدَّارَقُطْنِيّ وَقد سُئِلَ عَن حَدِيث عبد الله بن عَمْرو عَن عمر، قصَّة بني شَبابَة الحَدِيث؛ فَقَالَ: هُوَ حَدِيث يرويهِ عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث وَعبد الله بن لَهِيعَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، مُسْندًا عَن عمر، وَرَوَاهُ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب مُرْسلا عَن عمر.
ثَالِثهَا: خبر سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن أبي سيارة المتعي؛ قَالَ: «قلت يَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لي نحلاً قَالَ: أدّ العشور. قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله احم لي جبلها فحمى لي جبلها».
رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل فِي مُسْنده، وَابْن مَاجَه فِي سنَنه، وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أبي سيارة المتَعي وَهُوَ حَدِيث مُنْقَطع؛ لِأَن سُلَيْمَان بن مُوسَى لم يدْرك أَبَا سيارة المتَعي، وَمَعَ ذَلِك فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ أصح مَا رُوِيَ فِي وجوب الْعشْر فِيهِ مَعَ انْقِطَاعه. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عِيسَى: سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ؟ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُرْسل وَسليمَان بن مُوسَى لم يدْرك أحدا من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَيْسَ فِي زَكَاة الْعَسَل شَيْء يَصح.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا حَدِيث مُنْقَطع، وَلَا يعرف أَبُو سيارة بِغَيْر هَذَا، وَلَا تقوم لأحد بِمثلِهِ حجَّة.
وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ فِي والكمال: أَبُو سيارة المتعي الْقَيْسِي، قيل: اسْمه عميرَة بن الأعلم، وَقيل: إِنَّه شَامي، وَحَدِيثه فِي الشاميين، رَوَى عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا فِي الْعَسَل، وَلَيْسَ لَهُ سواهُ.
وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي جَامع المسانيد فِي تَرْجَمَة: من عرف بكنيته دون اسْمه.
رَابِعهَا: خبر أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ قَالَ: «كتب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل الْيمن: أَن يُؤْخَذ من الْعَسَل الْعشْر».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، من حَدِيث عبد الله بن مُحَرر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة. وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة.
وَعبد الله هَذَا تَرَكُوهُ، قَالَ ابْن حزم: هُوَ أسقط من كل سَاقِط مُتَّفق عَلَى إطراحه.
خَامِسهَا: خبر سعد بن أبي ذُبَاب قَالَ: «قدمت عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسْلمت، ثمَّ قلت: يَا رَسُول الله اجْعَل لقومي مَا أَسْلمُوا عَلَيْهِ من أَمْوَالهم فَفعل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاستعملني عَلَيْهِم، ثمَّ استعملني أَبُو بكر، ثمَّ عمر. قَالَ: وَكَانَ سعد من أهل السراة، قَالَ: فكلمت قومِي فِي الْعَسَل، فَقلت لَهُم: زكوه فَإِنَّهُ لَا خير فِي ثَمَرَة لَا تزكَّى. فَقَالُوا: كم؟ فَقلت: الْعشْر. فَأخذت مِنْهُم الْعشْر، فَأتيت عمر بن الْخطاب فَأَخْبَرته بِمَا كَانَ، قَالَ: فَقَبضهُ عمر فَبَاعَهُ ثمَّ جعل ثمنه فِي صدقَات الْمُسلمين».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَقَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: عبد الله وَالِد مُنِير عَن سعد بن أبي ذُبَاب لَا يَصح حَدِيثه. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: مُنِير هَذَا لَا نعرفه إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث.
وَقَالَ الْأَزْدِيّ: مُنِير لَا يحْتَج بِخَبَرِهِ هُوَ ضَعِيف. قَالَ الشَّافِعِي: وَسعد بن أبي ذُبَاب يَحْكِي مَا يدل عَلَى أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْمُرهُ بِأخذ الصَّدَقَة من الْعَسَل، وَأَنه شَيْء رَآهُ فتطوع لَهُ أَهله.
فَهَذِهِ أَحَادِيث إِيجَاب زَكَاة الْعَسَل مطعون فِي كلهَا وأجودها ثَانِيهَا.
وَقد صرح جماعات من الْحفاظ بِأَنَّهُ لَا يَصح شَيْء فِي إِيجَاب زَكَاته، قَالَ الزَّعْفَرَانِي: قَالَ الشَّافِعِي: الحَدِيث فِي أَن فِي الْعَسَل الْعشْر ضَعِيف، وَفِي أَن لَا يُؤْخَذ مِنْهُ الْعشْر ضَعِيف، إِلَّا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز، أَنا مَالك، عَن عبد الله بن أبي بكر قَالَ: «جَاءَنِي كتاب من عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى أبي وهُوَ بمنى: أَلا تَأْخُذ من الْخَيل وَلَا من الْعَسَل صَدَقَة».
قَالَ الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ: واختياري أَن لَا يُؤْخَذ مِنْهُ؛ لِأَن السّنَن والْآثَار ثَابِتَة فِيمَا يُؤْخَذ مِنْهُ، وَلَيْسَت فِيهِ ثَابِتَة، فَكَأَنَّهُ عَفْو.
وَقَالَ البُخَارِيّ: لَا يَصح فِي زَكَاة الْعَسَل شَيْء، وَقد أسلفنا ذَلِك عَن التِّرْمِذِيّ أَيْضا. وَكَذَا قَالَ ابْن الْمُنْذر: لَيْسَ فِي وجوب صَدَقَة الْعَسَل حَدِيث يثبت عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا إِجْمَاع، فَلَا زَكَاة فِيهِ، وروينا ذَلِك عَن ابْن عمر، وَعمر بن عبد الْعَزِيز.

.الحديث السَّادِس:

عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق من التَّمْر صَدَقَة».
هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، وَهُوَ حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ، وَلَفظ مُسلم: «لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوساق من تمر وَلَا حب صَدَقَة»، وَأخرجه بِاللَّفْظِ الأول مُسلم من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.

.الحديث السَّابِع وَالثَّامِن:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الوسق سِتُّونَ صَاعا». رَوَاهُ جَابر وَغَيره.
أما حَدِيث جَابر فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه. وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي، الْمَتْرُوك.
وَأما حَدِيث غير جَابر؛ فَرَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ، من طَرِيق أبي البخْترِي الطَّائِي الْكُوفِي واسْمه سعيد بن فَيْرُوز- عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الوسق سِتُّونَ صَاعا».
وَهَذَا مُنْقَطع أَبُو البخْترِي لم يسمع من أبي سعيد؛ قَالَه أَبُو دَاوُد. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لم يُدْرِكهُ.
قلت: وَله طَرِيق آخر مُتَّصِل؛ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، من حَدِيث يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، عَن عَمْرو بن يَحْيَى، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ صَدَقَة، وَلَيْسَ فِيمَا دون خمس ذود صَدَقَة، وَلَيْسَ فِيمَا دون خمس أوسق صَدَقَة، والوسق سِتُّونَ صَاعا».
وَنقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع عَلَى أَن الوسق سِتُّونَ صَاعا.
فَائِدَة: الْأَشْهر الْأَفْصَح فتح وَاو الوسق، وَفِي لُغَة أُخْرَى كسرهَا.

.الحديث التَّاسِع:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، أَنَّهَا قَالَت: «جرت السّنة أَنه لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق من التَّمْر صَدَقَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من هَذَا الْوَجْه، من حَدِيث إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود عَنْهَا قَالَت: «جرت السّنة من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوساق زَكَاة، والوسق سِتُّونَ صَاعا، فَذَلِك ثَلَاثمِائَة صَاع، من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب، وَلَيْسَ فِيمَا أنبتت الأَرْض من الْخضر زَكَاة».
وَفِيه صَالح بن مُوسَى وَقد ضَعَّفُوهُ.
وَأما أَبُو عوَانَة فَأخْرجهُ فِي صَحِيحه من جِهَته.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ آخر عَنْهَا: «جرت السّنة من نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا أخرجت الأَرْض من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب وَالتَّمْر إِذا بلغ خَمْسَة أوسق، الوسق سِتُّونَ صَاعا، فَذَلِك ثَلَاثمِائَة صَاع».
أخرجه مطولا ثمَّ قَالَ: لم يروه بِهَذَا الْإِسْنَاد غير صَالح الطلحي وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث.

.الحديث العَاشِر:

عَن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما؛ أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِيمَا سقت السَّمَاء والعيون أَو كَانَ عثريًا الْعشْر، وَفِيمَا سقِِي بالنضح نصف الْعشْر».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه كَذَلِك، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ: «مَا كَانَ بعًلا أَو سقِِي بنهر أَو عثري يُؤْخَذ من كل عشرَة وَاحِد» ثمَّ قَالَ: فِيهِ دحض لقَوْل من زعم أَن هَذَا الْخَبَر تفرد بِهِ يُونُس عَن الزُّهْرِيّ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِلَفْظ: «فِيمَا سقت السَّمَاء والأنهار والعيون أَو كَانَ بعًلا الْعشْر وَمَا سقِِي بالسواني أَو النَّضْح نصف الْعشْر».
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَنهُ؟ فَقَالَ: الصَّحِيح وَقفه عَلَى ابْن عمر.
قلت: وَرُوِيَ أَيْضا من غير حَدِيث ابْن عمر، رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر؛ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِيمَا سقت الْأَنْهَار والغيم العشور، وَفِيمَا سقِِي بالسانية نصف الْعشْر».
وَرَوَاهُ الترمذى وَابْن مَاجَه، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث معَاذ بِلَفْظ: «وَمَا سقِِي بالدوالي نصف الْعشْر».
قَالَ ابْن عبد الْبر: وَأَحَادِيث ابْن عمر وَجَابِر ومعاذ صَحِيحَة ثَابِتَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ قَول الْعَامَّة لَا أعلم فِيهِ خلافًا. وَأَشَارَ الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر إِلَى أَنه مجمع عَلَيْهِ.
فَائِدَة: العثري، بِعَين مُهْملَة ثمَّ ثاء مُثَلّثَة مفتوحتين، ثمَّ يَاء مثناة تَحت مُشَدّدَة، وَيُقَال: بِإِسْكَان الثَّاء، وَالصَّحِيح الْمَشْهُور فتحهَا. وَنقل الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب عَن ابْن المرابط أَنه حَكَى سُكُون الْعين، وَكَأن مُرَاده عين الْكَلِمَة فيوافق حِكَايَة من حَكَى إسكان الثَّاء.
قَالَ القلعي: والعثري هُوَ مَا سقت السَّمَاء لَا خلاف بَين أهل اللُّغَة فِيهِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَه لَيْسَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ نَقله عَن جَمِيع أهل اللُّغَة صَحِيحا، وَإِنَّمَا هُوَ قَول قَائِل مِنْهُم، وَذكر ابْن فَارس فِي الْمُجْمل فِيهِ قَوْلَيْنِ لأهل اللُّغَة قَالَ: العثري مَا سقِِي من النّخل سيحًا، والسيح المَاء الْجَارِي. قَالَ: وَيُقَال: هُوَ العِذْيُ، والعذي الزَّرْع الَّذِي لَا يسْقِيه إِلَّا مَاء الْمَطَر. وَلم يذكر الْجَوْهَرِي فِي صحاحه إِلَّا هَذَا القَوْل، وَالأَصَح مَا قَالَه الْأَزْهَرِي وَغَيره من أهل اللُّغَة: أَن العثري مَخْصُوص بِمَا سقِِي من مَاء السَّيْل، فَيجْعَل عاثور، وَهُوَ شبه ساقية تحفر وَيجْرِي فِيهَا المَاء إِلَى أُصُوله، وَسمي عاثورًا؛ لِأَنَّهُ يتعثر بِهِ الْمَار الَّذِي لَا يشْعر بِهِ.
والنضح: السَّقْي من مَاء بِئْر أَو نهر بسانية وَنَحْوهَا؛ قَالَه أهل اللُّغَة. والسانية والناضح اسْم للبعير وَالْبَقر الَّذِي يستقى عَلَيْهِ من الْبِئْر وَالنّهر، وَالْأُنْثَى ناضحة؛ وَجمع الناضحْ: نَواضِح.
والبعل: هُوَ مَا شرب بعروقه وَلم يتعنَّ فِي سقيه؛ قَالَه أَبُو دَاوُد. قَالَ: وَقَالَ وَكِيع هُوَ مَا ينْبت من مَاء السَّمَاء.
والدوالي: الدواليب. قَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ الدولاب فَارسي مُعرب.

.الحديث الحادى عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «وَمَا سقِِي بنضح أَو غرب فَفِيهِ نصف الْعشْر».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، من حَدِيث الْحَارِث الْأَعْوَر، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل، وَلَفظه: «وَمَا سقِِي بالغرب فَفِيهِ نصف الْعشْر». والْحَارث مُخْتَلف فِيهِ، مِنْهُم من وَثَّقَهُ، وَبَعْضهمْ كذبه.
وَرَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي مُسْند أَبِيه: حَدثنِي عُثْمَان بن أبي شيبَة، نَا جرير، عَن مُحَمَّد بن سَالم، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر، وَمَا سقِِي بالغرب والدالية فَفِيهِ نصف الْعشْر».
قَالَ عبد الله: فَحدثت أبي بِحَدِيث عُثْمَان، عَن جرير؛ فَأنكرهُ أبي جدًّا، وَكَانَ أبي لَا يحدثنا عَن مُحَمَّد بن سَالم؛ لضَعْفه عِنْده لنكارة حَدِيثه.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَاصِم، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ أَنه قَالَ: «مَا سقت السَّمَاء فَمن كل عشرَة وَاحِد، وَمَا سقِِي بالغرب فَمن كل عشْرين وَاحِد».
وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه عَن أبي مُطِيع الْبَلْخِي، عَن أبي حنيفَة، عَن أبان بن أبي عَيَّاش، عَن رجل، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر، وَفِيمَا سقِِي بنضح أَو غرب نصف الْعشْر، فِي قَلِيله وَكَثِيره».
قَالَ: وَهَذَا إِسْنَاد لَا يُسَاوِي شَيْئا، أما أَبُو مُطِيع فَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَحْمد: لَا يَنْبَغِي أَن يروي عَنهُ شَيْئا. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: تركُوا حَدِيثه. وَأما أبان فَكَانَ شُعْبَة يَقُول: لِأَن أزني أحب إليَّ من أَن أحدث عَنهُ.
وَفِي علل الدَّارَقُطْنِيّ أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث عَاصِم عَن عَلّي مَرْفُوعا، السالف عَن رِوَايَة عبد الله بن أَحْمد: «فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر، وَمَا سقِِي بالغرب والدالية نصف الْعشْر» فَقَالَ: يرويهِ أَبُو إِسْحَاق، وَاخْتلف عَنهُ، فرفعه ابْن سَالم الْعَبْسِي أَبُو سهل، وَهُوَ ضَعِيف، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عَلّي، مَرْفُوعا. وَوَقفه الثَّوْريّ، عَن أبي إِسْحَاق. قَالَ: وَالصَّحِيح مَوْقُوف، قَالَ: وَأنكر أَحْمد بن حَنْبَل حَدِيث مُحَمَّد بن سَالم، وَقَالَ: أرَاهُ مَوْضُوعا.
قلت: وَأَشَارَ الْبَزَّار إِلَى أَن مُحَمَّد بن سَالم لم يتفرد بِرَفْعِهِ، ثمَّ ذكر بعده طَريقَة الْوَقْف عَلَى عليٍّ وَلَفظه فِي الْمَرْفُوع: «فِيمَا سقت السَّمَاء أَو كَانَ فتحا فَفِيهِ الْعشْر، وَمَا سقِِي بالغرب فَفِيهِ نصف الْعشْر».
وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، مَرْفُوعا: «وَعَلَى مَا سَقَى الغرب نصف الْعشْر».
فَائِدَة: الغرْب بِسُكُون الرَّاء الدَّلْو الْعَظِيمَة الَّتِي تتَّخذ من جلد ثَوْر، فَإِذا فتحت الرَّاء فَهُوَ المَاء السَّائِل من الْبِئْر والحوض؛ قَالَه ابْن الْعَرَبِيّ وَابْن الْأَثِير، وَحَكَى المطرزي عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه يُقَال للدلو الْكَبِيرَة الغرب، وَقَالَ ابْن سَيّده عَن يَعْقُوب: الغرب: الدَّلْو الْعَظِيمَة من مسك ثَوْر يسنو بهَا الْبَعِير. وَقَالَ عَن غَيره: هُوَ ذكر، وَالْجمع غرُوب. وَقَالَ عَن صَاحب الْعين: الغرب الراوية.

.الحديث الثَّانِي عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «خُذ الْإِبِل من الْإِبِل» الْخَبَر.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي سنَنَيْهِمَا، من حَدِيث شريك بن أبي نمر، عَن عَطاء بن يسَار، عَن معَاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى الْيمن فَقَالَ: خُذ الْحبّ من الْحبّ، وَالشَّاة من الْغنم، وَالْبَعِير من الْإِبِل، وَالْبَقر من الْبَقر» هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ ابْن مَاجَه: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بَعثه إِلَى الْيمن، وَقَالَ لَهُ: خُذ...». فَذكره بِمثلِهِ إِلَّا أَنه قَالَ: «الشَّاء وَالْبَقر» بِدُونِ تَاء.
واستدركه الْحَاكِم عَلَى الشَّيْخَيْنِ، فَذكره فِي مُسْتَدْركه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ إِن صَحَّ سَماع عَطاء عَن معَاذ، فَإِنِّي لَا أتقنه.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: هَذَا الحَدِيث رُوَاته ثِقَات. وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: عَطاء بن يسَار لم يدْرك معَاذ بن جبل.
قلت: لِأَن عَطاء ولد سنة تسع عشرَة، ومعاذ توفّي فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة، وَقيل: سنة سبع عشرَة. وَأما ابْن الْقطَّان فأعلَّهُ بِشريك بن أبي نمر، وَهُوَ من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَكَفَى بهما أُسْوَة.